الثامنة صباحاً

لم يكن صباحاً عادياً كما العادة.
ماذا يعني عادي؟
ما هي العادات؟
متى نسمّي تصرّفاتنا بذلك؟ ومتى يموت ذلك؟
لماذا نفلح في الحفاظ على بعضها وتخوننا محاولاتنا المستميتة في المحافظة على البعض الآخر؟ لماذا؟
هل نحن مجموعةٌ منها ليس إلّا؟
هل نحن روتيننا الذي نحبّ والذي لا نحبّ مجتمعَيْن بين كَتِفَيْ جسدٍ لتُشكّل شخص الانسان الأخير الذي يظهر عليه بين البشر على مسرح الحياة؟ ربما.

صباح الخير..
تمنّيتُ لو أنّها كتبت لي مثل ذلك في صباحٍ كان ينادي الخير كسائر صباحاتي التي كانت تناديها سنيناً ولا مجيب.
صباح الخير..
ما ضرّها لو أنها ابتدأت بها تلك الكتابة الطويلة؟
صباح الخير..
هل تُدرك تلك الأنثى كم عمراً عمّرته وأنا أنتظر أن يُردّ عليّ فؤادي ذاتَ صباح الخير؟ لا تدرك، بالتأكيد لا تدرك.

بدأتُ القراءة وألفُ سؤالٍ يراودني وأراوده، لماذا أنا؟ من هي؟ ولماذا بمثل هذا التوقيت بالذات؟ وتتلمذت حولنا “اللّماذات”، مثل هكذا تفعل الرسائل المفاجئة وأكثر، أكثر بكثير.

ليس أسلوب من يرسل لأحدهم رسالةً لأوّل مرّة، تنساب الكلمات بين سطورها نهراً جارياً كأنّنا اعتدنا الثرثرة منذ مائة عامٍ أو أكثر، جزءٌ من النّص مفقود! هل مثل هكذا تُكتب الرسائل؟ هل يستطيع المُرسِل أن يتمكّن من فكر المرسل إليه وفؤاده من أوّل رسالة؟ لا أدري.
إن لم يَدْرِ المُرسَل لَهُ وتَدُرْ له الفكرة فمن غيره يدري؟ من يدري؟
صدّق لسعةَ الكهرباءِ التي نفضت قلبك حال القراءة الأولى فهي الصدق ليس كمثله صدق، وهي العاطفة الخاطفة ليس كمثلها عاصفة، وهي عطر الصباح وما مثل عطر الصبح في العمر عطر.

يرسلُ المرسِلُ اشاراته بين السطور ويترك الكرة في ملعب المُرسَل إليه ويختبر الصبر والحكمة والذكاء معاً في آنٍ واحد: كيف سيفكّر؟ ماذا سيفهم؟ هل سيفهم؟ هل خاطبتُ عقلاً كبيراً أم أنّه الوهم أوحى لي بأنّه يملك واحداً لا بأس به مثل ذلك؟ هل وهل.. وخمسون ألف هل، فلا “لماذاتُهُ” وجدت إجاباتٍ ترويها ولا “هُلَيْهلاتها” وجدت لها مجيباً يروي.

صباح الخير..
لم تكتب، قد أغفر لها ذلك، لكنّني أتساءل بصدق: هل كانت ستجرحُ اصبعاً من أصابعها العشرة لو أنّها كتبت لي: كيف حالك؟
أريد أن يسألني أحدٌ في الكون عن حالي،
أريد أن أعبّر كي أعبر، أن أحكي وأبكي، أن أفهم من أنا وإلى أين وحتام، أريد وأريد وما أكثر ما أريد.
حين أردّ عليها سأحرجها، أقصد سأجرحها، سأكتبُ: صباح الخير، سأسألها عن حالها، وسأعتذر لها: يبدو أنّي تمام الثامنة صباحاً.. وقعتُ بحبّك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *