والنّاسُ، كُلُّ النّاسِ، كُتُبٌ، على رفِّ الحياة

= تميل الفطرة إلى أنّ الرجل يدرك أنّ المرأة تفهمه وتتفهّمه أكثر ممّا يحدث ذلك إن أسرّ حديث نفسه لرجل؛ هكذا قال، وقال أيضاً أنّي سأفهم قوله فيما بعد بالتأكيد.

يومها شعرتُ بحرجٍ ثقيلٍ وخجلٍ شديد، وتساءلت من ثمَّ: لِمَ أنا! ماذا يريد؟ أيّ همٍ في صدره يحمل، كيف يخبّئ وجعاً خلف هذه الابتسامة التي تخفق لها القلوب خفقة فرح الطفل بهدايا التسالي والحلويات.

=====

كل عامٍ وكلّ يومٍ وأنت الحب الأبهى في الحياة، مرّ يومي جميلاً كما لم أتوقّع، تمنيتُ ألا ينتهي، لم أرد أن أنام، أردتُ أن نعيش الثلاثمائة يومٍ وتتمّتها بنفس التاريخ، أريد لكلّ لحظاتنا أن تكون الأولى دوماً.. ألا نفقد الشغف، أن نستمتع ملء أوتاد الاسْتمْتاع، ألاّ نكتفي بمتعةٍ واحدة، فالأولى لي والثانية لك والثالثة لنا معاً.

أحبّ وجهك حين يقطّب حاجبيه اعتراضاً، وأحبّ نظرة العين الطفوليّة المشاكسة التي تسألني ما لا يجرؤ على نطقه اللسان، لماذا “نستمتع” الأولى لكِ وليست لي؟

= لأنّي إذا كنت رائقة المزاج مستمتعةً تربّعت على عرش خواطري أكثر، واستمتعتُ برفقة الخواطر ولأفكار رسائلَ يقينٍ بالسنا الآتي بعد اكتمال رسائلنا الألف.
_ ظننتك نسيتني، ونسيتهم..

= وهل ينسى المرء روحه.. يا روحي! لم أنْسَ يوماً، كلّ ما في الأمر أنّني أعدّ لمستقبل الأيّام ما أظنّه خيراً من الرسائل وأغلى.. أغلى بكثير.. أكتب لك كلّ يوم، كلّ موقف، كلّ شعور، كلّما كتبت انطلق قلبي بالدعاء أن تكون بخير إلى أن ألقاك على خير، كلّما اندمجت بالكتابة.. خلتك جالساً قربي.. تبتسم.. وأبتسم.. وتحكي كلّ مشاعرنا الابتسامات.. سقى الله أياماً مضت ونسأله في فردوس الخلود أن تعود.
_ …

بدى يوماً من أيّام الجنّة، كفستان عروسٍ فتّانٍ بدت سماء مدينتنا منذ ساعات الفجر الأولى، خبّأ الضباب أبراجها الشّاهقة تماماً، وحاول المطر غسل أحزان عامٍ مضى، بكت السماء طويلاً.. فكأنّها كانت ترسل لي منك رسالة.

في مثل هذا الشهر تعارفنا، في مثل هذه الأيام تحدّثنا، وفي مثل هذه الأيّام.. كانت الدنيا تدور بي ألف دورةٍ في اليوم الواحد، وفي مثلها.. تملّكتُ مهارة الحساب وتمكّنتُ بألمٍ إدراك كثيرٍ من الحقائق.

سمعت أغنية جميلة اليوم، أضحكتني، أحببت شيئاً مجنوناً فيها، فيها كبرياءٌ لا يشبه الكبرياء وعشقٌ لا يشبه العشق، فيها أنا وأنت، فيها نحن والذكريات، فيها صخب الصباحات وهمس الليالي، فيها عمرٌ مضى دونما رجعة، وأيامٌ كثيرةٌ آتية لا أطيق أنّك لن تكون معي فيها.

هل يبدو ضرباً من الجنون استمراري بالكتابة لك هكذا؟
أرجو أنّه العكس، وأنّ الجنون ألا أكتب حين أفتقد، حين أحنّ، وحينما أشتاق.
لا أعرف لماذا يكبر حبّك بين حنانيّ دعاءً بعد دعاء، ظننتني سأنساك، وخلت أنّي سأتعذّر بأنّ البعيد عن العين بعيد عن القلب، لكنّني اكتشفت مع مرور الأيّام دون مرور الفقد أنّها حجّة واهيةٌ لمن لم يتذوّق شهد الغرام يوماً.

أودّ اخبارك بالكثير..
أحبّ أن أشرح لك كيف تمضي هذه الأيّام..
أريد أن أحكي لك أنّي شعرتُ بغرورٍ يكفي إناث المجرّة ألف عامٍ يوم اعتذرت دلالاً عن مكالمتك فألححت بإصرارٍ: حتّى وإن لم تريدي.. فأنا أريد.

هل تعشقُ الروحُ الروح؟ كيف؟
كيف لا ننسى الصوت..
لماذا لا ننسى الصورة..
كيف تلتصق الذكريات بوجداننا مثل هذا الالتصاق الحميميّ كلّما هممنا أن ننسى..

في ذلك اليوم أسعدتني.. أحببتُ أنّك غنّيت لي، سعيدة أكثر.. لأنّك كنت تظنّ أنّ صوتك عاديّ ولكنّك تريد أن تدندن لي حتّى أضحك، سعيدة أكثر وأكثر لأنّك رحلت دون أن تدرك أن ذلك الصوت كان ملاذي وكان أجمل صوتٍ سمعته في حياتي كلّها.. كلّها بالمعنى الحرفيّ لِ: “كُلّها”.. ليتك علمت قبل أن ترحل..

سأعاود المحاولة البائسة وأسألك: كيف حالك؟ وأعرف أنّك لن تردّ، وأعرف أنّ ذلك لا يعني شيئاً، فالردّ ليس بالصّوت ولا بالحرف وإنّما بالذكرى.
ممتنةٌ أنا لك، ممتنةٌ لأنّك كنت من أحلى هدايا ذلك العام وأرقّها على الاطلاق، ممتنّة لأنّك كنت حريصاً أن تصفّ الذكريات في صدري صفاً عجيباً كي أتنفّسها بسرور، كي تستيقظ معي وتنام، كي نلتقط الصور ونكتب، وكي نحلم بجميل الأمنيات ونتأمّل المستقبل المشرق القريب ونتطلّع إليه ونشكرك على ما صرنا إليه الشكر الجزيل كلّه.

آذار 2022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *