رشفة حب

مضى على ضحكتنا تلك عشرون على ما أذكر.. كنّا نشرب الشاي، لم نكن نحتسيه بلا شكّ.

رفعتِ الفنجان ومددتِ ابتسامتكِ إليّ وإليه، قلتِ: أعجبتني هذه الكأس، لطيفة مميزة وجميلة، جميلةٌ جداً تناسب الشاي. في تلك اللحظة توقعتِ منّي ما تتوقعه الإناث من الإناث حين تُطري على غرضٍ ما أعجبها عند أُخرى فتنتظر إخبارها من أين ابتاعته، فبادرتك ببساطةٍ كادت أن تودي بجمال اجتماعنا وتذهب بنا اسعافاً إلى المشفى بسبب شرقةٍ بشربةِ شايٍ ترافقت مع ضحكةٍ مُفاجِئَة، قلتُ: فنجانٌ عاديّ جداً على فكرة، كان كأس جبنةٍ سائلة منذ أسابيع، أزلتُ ملصقه وأملك الآن مجموعة منه للضيافة.

مضت عشرون.. تعلمت فيها من فلسفة الحياة كثير.. الشاي الألذّ يكون برفقة حبيب.. الضحكة الأحلى يميّزها الصدق.. النكهة السّاحرة لا تحتاج بالضرورة إناءً باهظ الثمن يحتويها.

ما زالتُ أحبّ الكؤوس الشفافة الرقيقة، كلّما كانت رقيقةً أكثر بدا ما فيها مُغرياً وممتعاً أكثر؛ لديّ بعض صفاتٍ غير مفهومةٍ حتّى الآن، مولعةٌ بالأواني الزجاجيّة ولعاً ملفتاً للانتباه، أحبّ تفريغ بعضٍ من توتّرٍ بإزالة المُلصقات الخاصة بعلاماتها التجاريّة عن كؤوسها وأوعيتها آخر اللّيل في زاوية المطبخ دون أن يراني أحد، لسببٍ ما أحبّ إعادة تدويرها واستخدامها ومُقتنعةٌ تماماً أنّها تلزم، أستمتع بصبّ المربَّيات والمخلّلات والحبوب والتوابل والبهارات فيها. لا أعرف لماذا أحبّ ذلك، عموماً لديّ مشكلة في طريقة الحبّ إن كان له طريقة أصلاً، يبدو لي زعتر النّاصر الحلبيّ مدلّلاً جداً وقد أسكنته مرطبان النوتيلّا الشّقيّة، بطبيعة الحال.. ما زلتُ أحبّ تدليل ما أحب ومن أحب.

لا أعرف سبباً مُقنعاً لهذه الثرثرة الكتابيّة الآن، ربّما أنا نوتيلا لا تريد أن تموت، ربما أشتاق إلى زعتري البرّيّ أحياناً، ربّما أريد أن أخبره أنّ الاحتواء حياةٌ تضيف إلى العمر حياة، وأنّي سأشرب معه الشاي يوماً ما بكأسٍ لم يتّسع وقتي كي أزيل عنه مُلصقه هذا الحب، ربّما يوجعنا احتساء الشاي إذا كنّا ممّن اعتاد شربه، ربّما نُوجعُ الذكريات بتذكّرها بين شايٍ وآخر، وربّما.. أقول ربّما.. يذكّرنا أنّا نحبّ أحدهم.. ولا يدري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *