وكفى

صباح النور والسرور، كيف حالك؟
أمّا بعد، فإنّي أقرؤك السلام من دنيانا الجميلة الطويلة الغريبة الرتيبة، من أعمالنا لا تنتهي وآمالنا لا تكتفي، من همّنا الكبير لا يصغر، وأحلامنا الصغيرة كل يوم تتكابر وتكبر، من الغربة ألقونا فيها وهربوا بعيداً، من الهجرة جُررنا إليها جراً وقضينا العمر بأجسادٍ نزعت قلوبها وزُرعت تحت شجرة النارنج في بيت الجدّ في بلادٍ بعيدةٍ قريبة ٍيقولون بأنّ اسمها: “وطن”.
يبدو اسمها جميلاً رغم الشّتات والوجع، رغم سطحيّة المعرفة عبر كلماتِ التاريخ وصور الجغرافيا، رغم عبير الياسمين المحترق، والبُقع البُنيّة الفاتحة عكّرت نقاء بياضه على عجل، كلّما قطفناه لنهديه لمن نحبّ أطواقاً استعجل الذّبول، لأنّ جماله على كَتفَي أمّه، متى ما فرّقناهما تمرّد وغيّر لونه وذبل، وبكى شذىً لا تضاهيه عطور العالمين سحراً حلالاً.
وطنٌ، زرناه عندما كبرنا، فبدونا غرباء جداً عنه وعن الأقرباء، اتّفقت العيون أن ترسل لنا رسالةً واحدةً تلك الصّيفيّة: ليس لكم دوماً حقّ المشاركة بالسعادة ليالي معدودة ما دمتم لم تشاركونا الألم السّديم بقية الأيام، لكم حقُّ تبادل مجاملة البسمات الصفراء السّقيم ربما.

صحيح؟! لم نشارككم! اعذرونا..
كنا منهمكين بالأعمال وجمع المال، فقد كانت الغرب والخليج كما وصفوها بودّيةٍ وورديّة لكم وأكثر، بلاد تحقيق الأحلام، ننزعجُ من مزاحمتنا بالأموال دونما كدٍّ وجهدٍ وعملٍ مستمرٍ واصرارٍ وأمل، يبدو مُريعاً تقبّلكم لمثل هذا الوهمِ الغريبِ، لكم دينكم ولنا دين.
……
بعيدٌ قريب، أناديه دوماً ولا يُجيب، أريده وطناً لا يُشيح بوجهه عن العائدين، ولا يشحُّ بدفئه عن المتأرجحين، وطنٌ عظيمٌ وكفى.
وإلى أن نلتقي في بُعدٍ رابعٍ مّا: في قلبي حنينٌ للوَطنَين، شوقُ السّلام للشآم، وسلام الشوق لزبرجد، كن بخير، كلّ خير، وألقاك على خير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *