قوّة لا

ما هو محتوى فنجان قوتك؟

سؤال قيّم، أعجبني، وَراق لي.

السؤال العظيم، يستحق اجابةً هادئةً مدروسة، تناسب عمقه وتتناسب مع غايته.

لكل منّا، فنجان قوتها الخاص في هذه الحياة.

تعددت محتويات الفناجين، تفاوتت قوتها ومخرجاتها.

ما بين فنجان قهوة ساخن، وفنجان حليبٍ دافئ، وفنجان شايٍ بارد.

اخترتُ فنجان ماءٍ مثلج.

فنجان ماء، خيرٌ ألف مرةٍ من فنجانٍ فارغٍ بلا شك.

ما هو ماء فنجاني؟

سأخبرك.

البعض يظن أن لا طعم له، لا لون ولا رائحة.

ينسى أن الله جعل من الماء كل شيءٍ حي.

ما هو محتوى فنجاني؟

ما هي قوته؟

انها إدراك أهمية استثمار الوقت في حياتنا.

تدركينها حين تبحثين عن القيمة، عن العلم والمعرفة، عن الارتقاء بذاتك والسمو بمن حولك كل يومٍ ولحظة.

حين تجدين تلك الكنوز تستمتعين أثناء الرحلة حتماً.

بحثتُ كثيراً، لم تكن القيمة في التجمعات الكبيرة، لم أجد ضالتي بها.

ندرك مع الزمن، أنّها لا ترتبط بالكمّ ولا بالعدد، بل بنوعيّةِ الفكر التي تطمحين بالانضمام لصحبه، بالارتقاء بنفسك معهم، بمزاحمتهم نهل العلم والمعرفة، الذي يؤثر دون وعيٍ منك على تكوّن سلوكك وتشكّل شخصيتك.

قوة فنجانك يوم أن قررت ألا تُكملي دربك بطريقةٍ فوضويةٍ بعد هذه اللحظة. أن لعقلكِ عليكِ حقاً أن تحترميه وتعيشي حياةً أفضل.

كيف؟

لا بد لك أن تواجهي الضياء، أن تركّزي، أن تتخلصي من معظم العادات السيئة، أن تتعطري بمسك عاداتٍ رائعةٍ تليق بك.

لقد تجاوزنا، مرحلة الفطام منذ زمن بعيد، نحن في مواجهة البتر مباشرة، لا وقت نهدره في التدرج بعد الآن: “كفى، وانتهى”.

أنتِ في لحظة صحوة، تفتحين فيها عينيك جيداً، وتدركين أنك تقفين في منتصف العمر، بل ربما ما مضى لهواً ولعباً أكثر مما بقي.

لا بد لنا من ضوابط لانضباطٍ أكثر.

لا تعارض الخطوط العريضة التي نصقل بها شخصياتنا ونحن نكبر، استمرارك بكونك متألقةً، لطيفةً، أميرةً، بالشكل الذي تفضليه وترغبيه.

في جعبتك رسالةٌ ساميةٌ نتوقع منك ترك بصمتها كحرّةٍ تعبر هذه الحياة معنا.

إن وصلتِ لعمرك هذا اليوم، دون جدّيةٍ ما، تمثل عزّة المسلمة، وقيمتها وعلو شأنها، فتلك مشكلة.

العالم لا ينتظر منك عند الرحيل ترك شهادات مرصوصةٍ مصفوفة، لن ترافقنا إلى رقدتنا الأخيرة.

لن يسألنا الملكان بألقابنا في الدنيا، بروفيسورة فلانة: من ربك ما دينك من نبيك؟

سنُسأل بأسمائنا المجردة فقط، اللهم حسن الاجابة، وحسن الخاتمة.

العالم بعد رحيلك، سيتذكر عنك قدرتك على التأثير بمحيطك وأناسك أثناء خلافتك في الأرض وعمارتك لها.

تتسائلين قلقةً الآن، في هذا العمر، ما هو محتوى فنجان قوتي، هل أقتني فنجان قوة أصلاً؟

أخبريني، عن اللحظة التي شعرت فيها بأنك قوية؟

أقوى لحظات العمر لإنسانةٍ عاديةٍ تماماً، تشارككن السعي وصولاً للسلام والطمأنينة والرضا، هي اللحظة التي استطعت فيها رفع صوتي عالياً معاتباً نفسي على كل اهمالٍ واستهتارٍ وتقصيرٍ بحقها في هدر الوقت والفكر والطاقة.

نهرتها على حين صحوةٍ قائلة: “لا”.

لا لأشياء كثيرة، لا لأشياء خاصةٍ بي سراً، ولا لأُخرى عامةٍ يمكن للناس أن تعرفها عني

اللحظة التي تملكين فيها الشجاعة لتحدي نفسك وتربيتها واعادة تأهيلها، هي اللحظة التي تستطيعين فيها النهل من فنجان القوة خاصتك، اللحظة التي تقولين فيها لا للروتين السيء في حياتك، للتصرفات التي لا تليق احتراماً لعمرك بعد الآن.

لا،
لكل ما يبدو بلا قيمةٍ وما زال يحيط بك، وتملكين القدرة والارادة لتغييره، بطريقةٍ فتّانةٍ تحوّل ساعاتك المقفرة لحدائق ذات بهجة تسرّ الناظرين.

كل عملٍ تفعلينه بلا هدفٍ بلا تخطيطٍ بلا رؤيةٍ واضحةٍ سيعود عليك بتعاسةٍ بشكل أو بآخر، وسيسبّب لنفسك بعضاً من توتّرٍ وكآبة، وستفقدين نور ملامحك وتفتقدين انشراح بسمتك، لأنك لم تنظمي وقتك بقولةِ لا، فعمّت الفوضى داخلك وتأثر بها خارجك ومحيطك رغماً عنك.

أُبسط الشرح لك من وجهة نظري..

السعادة والمشاعر التي تشعرينها حين تتابعين مسلسلاً ما، سعادةٌ وهميةٌ مؤقتةٌ زائلةٌ حتماً.

لماذا؟ لأن هذا المسلسل ذا الحلقات الثلاثين، ولا نتطرق لما هو أكثر، قد تجدينه مختصراً في فيلم، الفيلم نفسه، مقتبسٌ عن رواية. هذه الرواية، أثناء قراءتك لها، واثرائك لغتك العربية بها، وتنشيط خيالك وأنت تصوّرين مشاهدها بطريقتك الخاصة، تنتجينها وتخرجينها وحدك فقط، بذوقك الفريد أنتِ، وليس بذائقةٍ تفرض عليك بطواعيتك التي تستسيغ أن يقال لها تذوقي ذَوقي.

هو خيارك، أن تعرفي ماذا تريدين حقاً، أن تقرري ما هي طريقتك في استثمار وقتك.

فنجان قوتك: تفضلين احتسائه بمزاجٍ خاص، أو أن تشربيه على عجل؟

قياساً على مثال القراءة والمشاهدة، أمثالٌ كثيرةٌ في حياتنا، كطقوس تسوقك.

هل تملكين الشجاعة لقول لا لها؟

لا لإهدار الوقت على الطرقات، والوقوف على طابور الدفع والاستلام والاستبدال بالمحلات.

اليوم، بلمس أيقونة، بسهرةٍ عن بُعد، من ذات المحلات والمتاجر والمكتبات، تصل مستلزماتك إلى عتبة بابك أياً كانت، وأنت في صالتك الجميلة، على أريكتك المريحة، يفوح عود مبخرتك الزاكية، دون أن تضطري لاقتحام زحمة الأسواق، وشمّ روائح مطاعمها قسراً، مقاومةً اجهاد تلوث هدوء أعصابك بسماع صخبها من أجل نفس الهدف، نفس السلعة، نفس الثمن.

لا أقول أنّ رؤية الأغراب عنّا بين فترةٍ وسواها في الطرقات والسوق غير مهمّة وجميلة وملهمة، بل أقول ليس دوماً. هي جميلة ومهمّة وتفرّغ كثيراً من المشاعر والأفكار العشوائيّة منّا، إن تمّت بمنهجيّةٍ ما.

مثالٌ آخر، ولا أُخرى..

تغذيتك لأهل بيتك غذاءً صحياً متوازناً، كونك ملكة مطبخك، تملكين بين راحتيك أسرار رشاقتهم أو سمنتهم من خيارات طبخك يوماً بعد يومٍ شئتِ أم أبيتِ، من سنّ عادة المشي وجعل الرياضة المنزلية جزءً لا يتجزأ من حياتك أو حياتهم.

للأسف، الكثيرات ربطن التغذية السليمة والرياضة الدورية باشتراكات المراكز والنوادي ودفع المبالغ الطائلة لها، ولعلّ هذا خطأٌ فادح في ظلّ الوفرة المعلوماتية التي توفرها لنا منصتا قوقل ويوتيوب وغيرهما؛ هذا فكرٌ ومعتقدٌ أنت وحدك من بنيته، واعتمدته، وأوحيته لمن حولك أيضاً.

قوة فنجاني وفنجانك في اللحظة التي نؤمن فيها بحقيقة أنّ الوقت هو أهم ما ملكنا في هذا العمر الجميل، وعلينا أن نقول لكل ما يحاول اختلاسه منّا، بإرادتنا أو محاولة استغلالنا: لا، كلا، وألف لا لكل ما لا يصنع منك المتألقة التي ترتجينها من نفسك.

اللحظة التي تحبين فيها ذاتك، تهذبينها، تعودينها على سماع لا، تبدئين في التشكل على الصورة التي تطمحين لها.

في تلك اللحظة فقط، تكتشفين أنّ هناك أناساً تنتظرك، وأن هناك عالماً كاملاً يترقبك بلهفة ويريد سماعك والاستفادة من تجربتك.

أنتِ لستٍ مجرّد عابرة. لست أحداً عادياً في الدنيا. أنت “استثنائية”، غير أنك لم تقولي “لا” الخاصة بفنجان قوتك بعد. لذا لم تصلي جنتك الدنيوية إلى الآن.

جربي لمرة أن تقولي لا. لقد كانت رائعةً ومريحةً أكثر مما ظننت.

بالنسبة لي، من محتويات فنجان قوتي: القدرة على قول لا في الوقت المناسب لكل ما يثقل روحي ويرهقها.

لا بما يرضي الله بإذن الله.

أنا قلت لا لأحفظ وقتي، وأستمتع بفنجان قوتي.

ماذا عنك؟ متى تقولين؟

أنتظركِ في عالم لا الجميل، كأجمل ما تكون العوالم والأحلام.

::

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *