كم لبثنا

مضى عامان على حجر أبنائنا في البيوت والدراسة عن بُعدٍ من المنازل..
عامان.. ونحن ندرك يوماً بعد يوم عمق قول شوقي: قم للمعلّم وفّه التبجيلا..
عامان.. وجدران بيوتنا تعشّقت أصوات المعلّمات والمعلّمين، عامان ونحن نتسائل: حتى متى؟
عامان ينقضيان على خيرٍ هذا الصباح، وتعود زحمة توصيل الطلبة إلى المدارس في شوارع مدينتنا العملاقة الجميلة من جديد.

= “ماما.. أنا متحمّس كتير”.. هكذا قال..
_ “أنا أكتر”.. هكذا لم أقُل..

الأمّهات اللاتي اعتدن من عشرات السنين أخذ المواليد من عمر الشهرين حتى عمر الستّ سنوات لمركز التطعيم تتفاجأن بأن جديداً حلّ على البشريّة ولا بدّ من التسمية بالرحمن وأخذه أخذاً بالأسباب.

كنت أنتظر هذا الصباح وهذه العودة بفارغ الصبر، تأنيب الضّمير المترافق مع شعور أنّنا لا نتمكّن من مساعدتهم على إدارة وقتهم بالطريقة المثلى في هذه الفترة كان مرهقاً للغاية.

رنّ المنبّه، خفق قلبي خفقة سعادة لم يخفقها منذ زمن، تلك الخفقات السريعة كان يخفقها يومياً اثنا عشر عامٍ بالتمام والكمال حماسةً ليومٍ جديدٍ ولقاء صديقاتٍ ومعلّماتٍ سعيدٍ يوماً بعد يومٍ أسبوعاً بعد أسبوع.

ناديته مرّةً واحدةً، بلمح البصر كان قد قفز من السرير ووصل للسيرة المائة بعد الألف من سِيَرِ الصباح المبهرة خاصّته.

طفل الرابع الابتدائي بالأمس، غفى في حضن بيتنا عاماً وعشرة شهورٍ ليعود للمدرسة اليوم في منتصف السادس.
الطفل الذي كنت أخيّره صباحاً: بدّك حليب ولا عصير مع السندويشة عالمدرسة اليوم؟ قال بلهجةٍ تستعدّ للفتوّة بلهفةٍ: بدّي نسكافيه بالكاسة الحافظة لو سمحتِ ماما.

لم يسمح لي أن أضعها بكيسٍ محكم الاغلاق احتياطاً.. لم يرضَ أن يضع قبّعة الشتاء، لم أستطع اقناعه بارتداء سترةٍ اضافيّة خوفاً عليه من برد ربعنا الخالي القاسي الذي لا يشبه برداً البتة.

لأوّل مرّة، يجلس عن يميني في السيّارة كشابٍّ في أوّل طلعته تقول ملامحه لمرحلة الشباب بزهوٍ: ها أنذا.

عند عودتنا ظهراً مررنا بجانب مدرسة أخته المتوسّطة، يقول لي: سأنزل وأناديها كالعادة!

أضحك ضحكةً خفيفةً وأُكمل طريقنا نحو المنزل.. يسألني متعجّباً: لماذا لم نتوقّف لإحضارها؟ أبتسم.. أسأله: “كم لبثنا”؟
أختك أصبحت في المرحلة الثانويّة.. منذ عامين.. أيضًا.

سبحان الدّايم..
حفظ الله أبناء وبنات المسلمين جميعاً.

٨/مارس/٢٠٢٠ _٢٣/يناير/٢٠٢٢
#العودة_إلى_المدارس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *