شبرقة

لا أرغب بقول صباح الخير أو مساء الخير اليوم لا له ولا لها ولا لأحد، صباح الخير لي ومساء الخير لي وحدي فقط، قليلٌ من الأنانية لا يؤذي.
أرغبُ اليوم بأن أقرع الباب بإزعاج على عقل القارئ بلا حاضر ولا دستور كما يقولون.
يبدو أنّي كتبت اليوم كثيراً ولا أوفّق للنشر بعد لأنّ النّصوص تحتاج مراجعة كثيرة، أظنّ أنّي أنجزت، لقد مضى زمنٌ طويلٌ منذ آخر مرّة شعرت فيها أنّ عيناي بدت متعبة من طول الوقت الذّي واجهت فيه شاشة الحاسوب، لا أدري أأفرح للإنجاز أم أحزن لأنّ عينّي فقدت لمعتها من الجهد والتّعب.
أخشى عليك ان رأيتهما أن تخاف منّي أخيراً، وتحدّث نفسك كثيراً، وتضرب أخماساً بأسداس، ونحن في فجر يومٍ مقبلٍ جديد لم تُشرق شمسه البهيّة بعد.
لا أرغب أن أضرب بنباهتك عرض الحائط، ولا أن أجعلك تحلف ألف مرّة أنّي حزت من ”إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ” نسبة التسعة والتسعين وتركت الواحد لبقية إناث المجرّة _تتشبرقن_ بها، ولا يتّسع الوقت لأشرح لك معنى المصطلح العامّي هذا الآن، والذي لا أظنّ الاثنتي عشر مليون كلمة في لغة الضاد تستطيع مثله أن تصفه، غالباً هو خاصٌّ بقومنا فقط، أوضحه في هامش الرسالة.(1)
ربما تمنيت مثلي يوماً أن تمتلك مائة إصبعٍ للطباعة بدلاً من عشرة.
محدّثتك رقميّةٌ جداً، وربّما افتراضيةٌ جداً، كما لا تتخيّل بعد.
نادرا ما أستخدم القلم، علاقتي بلوحة المفاتيح أمتن!
وأنت لا عدمتك تخلع كتفي منذ أسابيع في مسابقةٍ لتدوين الكلمات منك وإليك، أُدرك لماذا أكتبك، أدرك وأخيراً تماماً، وما هدفي من هذه الرسائل، وماذا قد يترتّب عليّ بعدها.
رسائلٌ تهاجر عبرها الكلمات طريقاً بلا عودة، قد أدرج فيها ذكرياتٍ أو يوميّاتٍ أو نسج خيالٍ وربط أوهام، قد أكتب ما أفكر مرّة أو أكتب ما أشعر مرّة، إن شعرت بأني أكذب فهو ذلك، وان شعرت بأني صدقت فهو أيضاً كذلك، ولكنّ إياك ثم إيّاك أن تفقد نقاط ودّك عندي وتسألني يوماً عن سطرٍ في نصٍّ: ماذا كنت تعنين بذلك؟ لن أكتفي بأن لا أجيب، يؤسفني أن ألمّح لك مسبقاً بأننا قد نخسر بعضنا أيضاً، الكتابةُ شرفُ الكاتب، ولا نحبّ من أحدٍ أن يمسّها بسوء، لا أنتظر منك ردّا بعد اليوم، فأنا أظنّني أكبرُ وأنضجُ وأخيراً على غير ميعادٍ، وأدفن تلك الطفلةَ السّاذجة المتشبّتة من الطفولة في ذاكرتي آخراً بمددٍ من الله وقوّة، لم أعد أريد ردوداً، لكنّي أريد الدّعاء.
أحترم نظرتي لنفسي ولا أخجل إن ظنّ أحدهم أنّي “معقّدة”، لأنّي أعرف أنّي لست تلك، ولست مضطرة لشرح ذلك، كلّ ما في الأمر أنّ الحرصَ في البدايات نابعٌ عن الخوف من فتنة القلم التي قد تطال النّفس قسراً، أحبّ أن أكون أهلاً للثقة التي مُنحتها، وأفتخر بالتربيةِ التي حزتها، أحترمها نعمةً الله، وأريد أن أشكرها على طريقتي الخاصة، ولا طريقة لديّ حالياً إلا بعثرة الكلمات.
أحبّ أن أعبّر براحةٍ محسوبة، دون أن يرهقني جلدُ الذّات إن تزحلقت منّي كلمةٌ حمّالة أوجه في زقاقٍ أدبيٍّ مّا.
أُحبّ الشمس، أحبّ أشعّتها جداً، أحبّ النهار، أحبّ النّور وكلّ لامعٍ ومضيءٍ وَوضّاء.
أحبّ الحياة، الكلمة الطّيبة الواضحةُ نورٌ وما سواها عتمة، أحبّ أن أُوفّق من الرحمن بإدراج كلماتي كالنّور دوماً.
الحمد لله بدايةً وانتهاءً أن ساق إليّ رضاه على أهون الأسباب، بسترٍ منه ورحمة، بلا حولٍ منّي ولا قوّة، في لحظةٍ تشبّث فيها الدعاء بإلحاحٍ لإجابته ذات مساء.
بعض مشاعرنا لا نفهمها، لا نفهمها تماماً، لكنها أطهر من أن يوصّفه حرفً من ثمانية وعشرين حرف.
يحكى أنّ للحبّ أكثر من أربعين معنىً ودرجةً يتفاوت السموّ الرّوحيّ فيما بينها، ربّما أكون محظوظةً وأعيش أنبلها لثاني مرّة وآخر مرة وأنا أفهم تماماً حساسية ودقّة ما أصف هذه المرّة، كن بخير، كلّ خير.
=====
*تتشبرق: تأتي بمعنى تشوف حالها شوفة حال من العيار الرّفيع، تنطق بلهجتنا القاف همزة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *