سلطان الملاح

حبيبي ستة عشر: لو كنت مكانك، لردحتُ بالصّوت العالي: “وينك لهلأ” كما فعلت رضيّة في مسرحيّة كاسك يا وطن حين وصل غوّار متأخراً ذات مساء؛ الفرق هنا أنّ غوّار من سيردح، الفرق هنا أنّك أنت من عليه أن يقول “عمتِ مساءً”، لن أكمل تحيّته التي لقّنَها لها كي لا تتّهمني ظلماً وعدواناً أنّي أغمزُ بغمّازتي للمرّة الثالثة هنا لأتأكد أنّ الكاتب البطل يصل الأرض واقفاً مهما شهق سقف الكلمات، هل تستطيع أن تتوقّف عن القراءة للحظة وتذهب معي فوراً إلى أقرب مرآة؟ لُطفاً.

تمام، نحن أمام المرآةِ سلطاني، أقف خلف كتفك الأيسر الآن، أريد أن أسألك لماذا ما زلت تبتسم؟ بم تفكّر؟ هل تفكّر فيما أفكّر فيه؟
ما أنت فيه الآن يسمّى في عُرْفِ نون النّسوة: “وَقَع وما حدا سمّى عليه”، ولا أزيد.
يريدُ كبرياؤك أن يقتصّ لنفسه، تهذي مُغاضباً: “إنتِ مو أحسن ترى”، أقول: الفرق بيننا أنّي ساطعةٌ كالشّمس إن أحببت أقولُ بالحرفِ الغالي: “أنا أحبّ” أمام كلّ قاريءٍ ولا أبالي؛ بالشّامي: أحبّ “بالمشرمحي” وبالمصري: أحبّ “على بلاطة”؛ علّمني والدي الحبّ بكلّ اللّغات واللّهجات؛ الانفجار الكونيّ الذي حدث بيننا ذات رسالةٍ شاردةٍ لم تكن تبحث عن عنوانٍ ربّما كان بسبب أنّك كبُرتَ بعض الشيء سريعاً رغماً عنك في الآونة الأخيرة، وربّما لأنّك نسيت معنى أنّ كيدهن عظيم، وربّما.. أقول ربّما.. لأنّ الحبّ حين ينسكبُ من مكانٍ مُحيّرٍ غير متوقّع يجعل المحبوب من فرط المفاجأة يتخبّط بين جُدران الدّهشة غير مُخيّرٍ فلا يصحو إلّا بأعجوبةٍ من سَكْرَتِه؛ عادةً.. تستطيعُ الفراشات بطُرقها الخاصّة الناجعة السيطرة على تلك الحالة ومساعدته على تجاوزها ولكنّ وسائلها لا تُجدي نفعاً مع الذين لا يُدركون أنّ كلمات رسائل الغرام لا سقف لها.

“وينك لهلأ”..
بدايةٌ لا بأس بها، حمّالةُ أوجه، أعترفُ بكامل قواي العقليّة أنّ مكالمةً دوليّةً تمّت بسبب رسالتك الشّريرة، أنّ كليوباترا بجلالة قدرها ورغم كثرة مشاغلها اتّصلت من القاهرة لتنبّهني لقراءتها.

كانت تعدّ كأس شايٍّ حين تنبّهت لوصول رسالةٍ جديدة، تقول بأنّها لم تنتبه إلا بعد انتهاء القراءة أنّها احتست ماءً صافياً مغليّاً فحسب! كلماتٌ حدّثها حدثُها أنّها منك نكّهت لها المشروب وكانت ملكة الساعة، هذا حال أنثى في الفضاء الأزرق قرأت رسالةً مختومةً بختمٍ غير شرعيّ بـ: “لا تصل” في غرفةٍ مُقفلةٍ من الدّاخل بالمفتاح بقُفليْن ينامان جوارها على السّرير كَنجْمَيْن، فما بالك بحال من قرأتها مُدركةً أنها لها فَسَكَتَ الكلام في حَرَمِ الكلام؟
وددتُ أن تطول ذراعَيّ كما ساقا صاحب الظلّ الطّويل وأكثر حتّى أُرسل عبر الفضاء الأحضان لساعي البريد الفخم النّبيل، لهُ ألفُ شكرٍ وألْفَا تحيّةٍ على هذه التّسلية الكتابيّة العطرة ولدرويش وأمّ كلثوم وكلّ من يفهمُ لِمَ تُصفُّ الحروف ولِمَنْ.

تتساءل بينك وبين نفسك: أنتِ.. أنتِ.. أين كنتِ؟ متأكّدة أنّ ذراعيكِ تقصدُ السّاعي لا تقصدني؟ ما هذه الفَصْلات والفاصِلات الكثيرة التي تتعمّدين رميها؟ بالمختصر: لمَ؟ لمَ تأخّرتِ عليّ؟

= أين سأكون سُكوني؟ أنا بين حنانيك محبوسةٌ مُذ وُلِدْتُ إلى أن أرحل؛ لم تأخّرت؟ كنت عاتبةً عليك، أتأمّل بين سطورك كلمة: “فرصة”، العصفورة الكريمة التي تَهَبُ فُرَصاً بسخاءٍ لا يُسبق.. لا يهبها النّرجسيّ الفتّان إلاّ واحدة، وللبقيّة حديث.
كن بخير، كلّ خير.

هامش:
حبيبتي يكتبها الشجعان، أمّا عزيزتي يستظلّ بظلّها أربع مرّات الذّين يخشون زيادة أجرة سعاة البريد ورسوم الطوابع الإضافية.

المرسلة: فراشة مورفة
العنوان: فوق الكتف الأيسر
ص.ب: 2033

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *