أتعلمين يا شمس؟

أعلمُ يا قمري؛ أعلم!
ويسرّني أن أُسرّك أن رسائلك وصلت ومازالت تصل سالمةً غانمة، ولا يقرأها من النّاس على شغفٍ سواي! أشغلتهم الكتابات المضطربة، ونامت القراءة منذ زمنٍ بعيدٍ نومتها العميقة.
“حمامة الأيكِ” أقرئي فؤاد مهاجرٍ إلى المنفى السلام، أخبريه أنّ الحنين أمواجُ محيطٍ لا تسعها بحالٍ من الأحوال زجاجةٌ ولا تفلح في تهدئةِ روعها وحبسها في عنق بوتقة الصبر “فلّينة”، أخبريه أنّ “ساعي البريد” اللّطيف ربح ورقة اليانصيب أخيراً فتزوّج صديقة زوجته وصديقتها وصديقتيهما في سنةٍ واحدة! تخلّى عن دراجةٍ أثقلت سلّتها هموم النّاس وأشواقهم، واشترى بالتقسيط المنتهي بالتمليك سيّارةً حمراءَ صغيرةً بِبَابَيْنِ وفتحةِ سقفٍ لا ترغب بعد اليوم بحملِ وتحمُّلِ أيّ رسالةٍ مهما كانت غالية، “قنبلةُ المفاجآت الموقوتة” قسَّطَ ما بِوسْعِهِ تقسيطه ونَقَدَ ما لا يَسَعُهُ ذلك.
أخبريه أنّ مثله لا يضرّه شوكٌ ولا تُعْلَنُ لهُ هزيمة، وأنّ مثلي لا تصلح أن تكون وطناً للمهاجرين حتّى وإنْ خَدَشَ روحها الوَجْد إليهم؛ وأخبريه.. أنّ غنائم العودة أليمةٌ أليمة.
أريد أن أسألك يا قمر: ما معنى فضول؟ كيف تنعتُ هاتفاً مسالماً مسكيناً أوفى من ألفِ صديقٍ باللّعين؟
ماذا لو أنّي فعلتها وأجبت على رسائلك سطراً بعد سطرٍ ورسالةً تعقبها رسائل؟ ماذا لو روّينا ظمأ لهفةٍ لأغنيةٍ مُهداةٍ بنبع أغانٍ فيّاضة؟
ماذا لو أنّا ننبشُ لهم معاً مقبرة الذّكريات التي وأدناها قهراً؟ ماذا عن إقامة سجالٍ للألحان حتى تسكن أشواق الرّعية؟
هل أنت مستعدٌّ لمغامرةٍ مثل هذه المغامرة؟ أم أنّ من البلاغة أن نسمّيها مقامرة!
عشق، محبوبة، أثواب!
كلماتٌ أُنسيت معانيها منذ حنين!
أحرقتُ مع الصّورِ الفساتين، وكسرتُ قارورة العطر وقصصتُ مع الشَّعر الشعور، غصّ الصوت بالحنجرة، قُطّعت أسلاك الهواتف، وجُنّ جنون الجنّ فلا يُفلح سحرُ الساحر حيث أتى في كفّ البُعد وفكّ السّعد فقد استُبْدِلتْ العصِيُّ وصار السحرة مجانين.
أُدندن لك الأغنيات ليلةً بعد ليلةٍ خمس سنين؛ كتابُ عشرات الرسائل التي كتبتها إليك في الشّتات عمّا قريبٍ يُرسل إلى المطبعة؛ ربّما يحالفك الحظّ ويتبلسمُ فؤادك قدراً مّا بقراءته؛ من يدري؟ أقول ربّما، الدنيا غرفتان وصالة، لا أكبر! يا قمري..
المرسلة: شمس
العنوان: error 404

ص.ب: 2033

راجعٌ من صوبِ أغنيةٍ
يا زماناً ضاع في الزّمنِ
صوتها يبكي فأحمِلُهُ
بين زهرِ الصّمتِ والوَهَنِ
من حدودِ الأمسِ يا حلماً
زارني طيراً على غُصُنِ
أيُّ وهمٍ أنتَ عشتُ بهِ
كنتَ في البالِ و لمْ تكنِ

علي بدر الدين

عصفورة الشجن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *