عن بُعد

أصدقكم القول،

أنّي سأفتقدِ أصواتَ الأساتذةِ بصالتي،

والمعلماتِ بغرفتي،

مع بداية إجازة منتصف العام الدراسي اليوم.

كان من المضحكِ المُبكي أن تبدأ منصةُ ابنتي في الصّباح،

تنتهي قبل العصر بساعة،

لتبدأ منصة أخيها تمام أذان العصر،

وتنتهي قرب العشاء.

رابطنا اليوم كله على منصة مدرستي التعليمية،

ما عدا تلك الساعة،

ينطبقُ ذلك على أسرة أخي أيضاً،

اعتكافٌ نهاري لطلب العلم للأهالي قسراً.

كانت أجملُ أيامِ هذا الفصلِ يومَ أن زارتنا أختي،

ووجدتُ أمي تتأملُ بيتها وقد تحوّل حرماً جامعياً مصغراً فيه سبعُ منصّات!

إذا مللتَ تستطيعُ أن تتحلى بالشجاعةِ وتكتمَ الصوتَ،

أن تغلق الشاشة،

وليثرثر معلمنا الفاضل مع نفسه ما شاء.

كان من الممتعِ سماعُ الأساتذةِ وهم ينادون أبنائنا.

مشاهدةُ ذلك المشاغبِ يلعبُ لعبتهُ المفضّلة على الحاسوب، والأستاذُ يشرح مع نفسهِ لنفسهِ والطلابُ
يتبادلون تحديثات فورتينايت في مجموعة واتساب الخاصة بهم.

أوبخه فيردّ بثقةٍ مفرطةٍ: ماما أنا أعرف كل الذي يقوله يا عفو الله، قصفت جبهة المنصة وأموال الأمة التي صُرفت عليها بهاتين الكلمتين يا ولدي.

أحببتُ الطريقةَ التي كان ينادي بها الأساتذة أطفالنا بأسماء عوائلهم.
تشعرين للحظة أن ابنك اسطورة، ليس مجرد طفل.

لا أخفيكم سراً، ضحكنا كثيراً هذا الفصل الدراسي.

كنا نتخيلُ أشكال الأساتذة ونفسياتهم من خلف الشاشات، هذا هين لين، وهذا عصبي مريع.

أكثر من رثيتُ لحاله كان أستاذ العلوم، نسمعُ صدى صوت زوجته وهي تشرح مادة لُغتي لصفٍ آخر من غرفة أُخرى في منزلهم، فينزعج طلابه منها أثناء شرح درسه، “صناع المستقبل ما معاهم لعب”.

أحببتُ صغارنا وهم يتناولون وجباتهم والأستاذ لا يرى!

يستأذنون بأدبٍ غير منطقي الذهاب لدورةِ المياه خوفاً من أن يسألَ المعلم سؤالاً مباغتاً فيفقد متابعتهم، أضحكوني ملئ قلبي حين أضاعوا حصّة كاملة: أستاذ أستأذنك أروح أصلي، عبق المشيخة لاق بهم كثيراً.

منْ كانَ يصدّق أن يدرسَ أبناؤنا من البيوت.

أن نرى أبناءنا مستلقينَ على طاولاتِ الطّعام ومتخفّين تحت الأسرَّة والمعلمُ يشرحُ بذمّة وضمير مِدركاً أنّه تحت المجهر، أن الأسرةَ كلّها تستمع وتستمتع، وليس تلميذه فقط.

لا أستطيعُ أن أصفَ لكم ملامح وجهي حين قالت لي ابنتي بفخرٍ مِدهشٍ أنها لم تغب هذا الفصل ولا يوم!

كيف كانت تُريد أن تغيب لا أعرف.

الذي أعرفه أن علاقات أبنائنا توطدت مع زملائهم في أزمة التعليم عن بعد.

لن أحكي العجب العجاب الذي شاهدناه أسبوع الامتحانات.

لكم أن تتصوروا المملكة نهار الأحد.

يومَ امتحنَت إحدى وعشرون مليون نسمة، بدلاً من ستة ملايين طالب.

أسئلةُ الأمهاتِ والآباءِ في قاعة الامتحان عن بعد كانت مضحكة، مضحكة جدا، كانوا متوترين بحق.

في الحقيقة حسدناهم، حسدنا هذا الجيل،

كانت أمي تقول لنا حين تسمّعنا ونخطئ: “اثنِ الصفحة”، تنتهي ساعة التسميع بمائة صفحة مثنية.

أما هذا الجيل.. لم “يثنِ” شيئاً والله،

ولا أظن شيئاً “يثنيه”.

كل عام وأنتم بخير..

كل عام وأنت بخير يا أحمد..

أهلا وسهلا..

أجارنا الله من هذه الاجازة يا ماما.

عانيتم كثيراً .

24-12-2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *