حواسّ

“ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئذٍ عَنِ النَّعِيمِ”.

لطالما لهج الحمد السخيّ نحو حاسّة البصر، نحمده صباح مساء عند مشاهدة الشروق والغروب، وجميل ألوان الزهر والشجر والثمر، ولطيف الطيور والمخلوقات تملؤ حياتنا حياة.

الحمد لله على نعمَتَي البصر والبصيرة، كم سألنا أن يديمهما الرحمن علينا فضلاً، ودعونا العوض الجميل لمن فقدهما.

في مثل هذا اليوم لم أستطع شمّ العطر خاصّتي، هكذا نحن، لا نقدّر قيمة النّعيم الذي نرفل في ظلاله حتّى يزلزلنا حدثٌ مّا.

“كن” واحدة.
ف”كان” بعدها أن لا ذهاب إلى العمل، ولا خروج من المنزل، لا رؤية لأمي، ولا عيد، والحمد لله على كل حال.

بالتأكيد ليس عادياً أن لا تفرّق بين عطر فينيسيا وعطر الثلاث خمسات!
ولا بين مسحوقَي الكزبرة والكمون، وأن لا تميّز أيّ عبيرٍ لماء الزّهر الذي اعتدت أن تمسح به رسغيك.

يبدو صعباً على من ينتمي لموطن الياسمين أن يفقد هذه النعمة ولو حتى لأيّامٍ معدودة، ربنا ظلمنا أنفسنا ظلماً كثيراً وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

فقدنا أكثر من ذلك بكثير، وما زلنا نفقد، والفقد مستمرٌ ما استمرّت الحياة حتّى نُفقد نحن عن بكرة أبينا نهايةً.

منذ أن فقد الماضون محمّداً صلى الله عليه وسلم أدركنا أنّ الفقد سنّة الكون وأننا بألمه نتعلّم كثيراً.

العالم يتندّرُ في مثل هذه الأيّام على صاروخٍ صينيٍّ تائهٍ لأن عاقلاً لا يصدّق أن صاروخاً قد يتوه، ويدعو للأقصى، وينعى طفلةً بريئةً فارقت الحياة، كانت حلماً لعائلاتٍ لم ترزق أطفالاً، كانت صحتها يوماً أمنيةً لكثيرٍ ممن رُزقوا الذرية ولم يُرزقوا عافيتهم، وكان جمالها لآخر لحظةٍ كجمال وطني الذي يسحر الألباب سحراً مهما اغبرّ وقُهر وكُسر.

سلامٌ علينا وسلامٌ على نهلة حتى نلقاها بسلامٍ في دار السلام.

السلام على الإنسانية والعروبة والشآم، والسلام على أطفال المسلمين في كلّ مكان.
سلامٌ على قلب كلّ أمٍ مغلوبةٍ على أمرها.
سلامٌ على من يقول خيراً إن لم يصمت.
سلامٌ على حاملي المسك، وكلّ السلام على الإسلام حتّى مطلع الفجر.
“فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ”.

مذكّرات العزل المنزلي
كورونا والعشر الأخير
رمضان 2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *