هديّة وداع

ها أنت ذا تلملم حاجياتك استعداداً للرحيل، هل تُرانا أحسنّا ضيافتك؟

هل تعرف ما يميّزك عن بقية الضيوف يا أيها العزيز؟

تاريخك مشرّف، حضورك البهيّ ثابتٌ لا يتغيّر، نعدّ الثواني لطلّتك العظيمة.

لا عاماً أخلفت موعداً وعدته، ولا عاماً لم نعدّ الدقائق شوقاً للقائك المهيب.

ليست كلّ الضيوف تُنتظر، ولا كلّ الضيوف يرحّب بها سواك.

نشتاقك عاماً تلو عام، كلّما كبرنا أكثر، كبر معنا الشوق إليك أكثر، وحَمّلناك من همومنا أكثر وأكثر.

من مثلك أيّها الحنون؟

تحتضن همساتنا وأسرارنا وهموم خطايانا التي لا تنتهي.

من مثلك يلملم شتاتنا ويردّ علينا أرواحنا؟

من مثلك يمنحنا فرصة محاولة البدايات تلو البدايات من جديد؟

في القلب كلامٌ كثير، لا أعرف له صياغةً أو سرداً، ولكّنك تفهمنا بلطفٍ واحتواءٍ دوماً.

لقد انتظرناك هذا العام انتظاراً فريداً طويلاً لم يسبقه انتظارٌ مثله.

الانتظار الأثقل من مشتاقٍ إلى مشتاق.

كنّا نعدّ الأيام لنحمّلك أوزارنا وخطايانا، انتظرناك كي تزن دمع التّوبة منهمراً بين لياليك.

تعلم أنّا بصحبتك نرتاح.

أنت الوحيد الذي يجمع شتات قلوبنا، يضعها بكيس الغفران ويمضي.

أنت الجميل الذي يمنحنا الأمل، صاحب الحضن الأدفأ والضّمة الأكثر طمأنينةً بالعالم.

أترانا نفترق الآن عاماً آخر، هل ترحل قبل أن نفيك شكرك كما ينبغي للشكر أن يكون؟

ماذا أقول أيها الحبيب؟

لقد كان عاماً غريباً، حُمّلنا ما لا طاقة لنا به من الذنوب فيه، بما كسبت أيدينا ككلّ مرّة.

كم عددنا الليالي حنيناً إليك؟

أيّ حضور مبهج ذلك الذي تحضره؟

وأيّ قدومٍ لطيفٍ ذلك الذي تقدمه؟

نتسابق لاستقبالك، تتزيّن بيوتنا وتزدان فرحةً بك، ثمّ ما تلبث أن تمضي بلطفٍ كما حللت، ضيفاً خفيفاً لطيفاً ظريف.

ماذا لو أنّك تطيل مقامك بيننا قليلاً بعد؟

ربّما بتّ تعرفنا أكثر من أنفسنا، تدرك أننا قد نثقلك بمشاكلنا لو أكرمتنا بالبقاء ساعةً واحدة أكثر، فكان لا بدّ أن يكون رحيلك بموعدٍ محدّدٍ كما هو قدومك بموعدٍ ثابتٍ لا يتغيّر.

سنشتاقك كثيراً، سنبقى على العهد ليالٍ طويلة، لن ننقض الوعود أيّاماً وشهور.

ثمّ كالعادة!

سيأتي يومٌ خلال العام تُقلب فيه الموازين وننسى أسرارنا ووعودنا وهمّتنا، وننساك!

ونتجرّع خيباتنا خيبةً تلو خيبة وخطيئةً تلو خطيئة.

الحمد لله أنّك خيرُ من زار وخيرُ من حلّ وخير ُمن حضر وخيرُ من ارتحل، الحمد لله أنّا رُزقنا حبّك رمضان.

بقي أن أقول..

أنّك أهديتنا هذا العام خير هديّةٍ عند الختام.

بقي أن نقول أنّ الأمّة الإسلامية اجتمعت على قلبٍ واحدٍ نصرةً لفلسطين، فلها ولك الشوق ما توالت الأعوام، رافقتك ورافقتها ورافقتنا السلامة، وكلّ عام ودمنا فلسطيني، وعيدنا فلسطيني، كلّ عام والإسلام والمسلمون بخير.

ختام رمضان 2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *