عرّافة

ماذا لو أنّ حياتنا تتلخّص في معزوفةٍ موسيقيّةٍ واحدة؟
يبدو أنّ حياةً كاملةً رُسمت في معزوفة “العرّافة والعطور الساحرة”، تمثّلها أنغام تلك المعزوفة من أولها لآخرها، بتفاصيلها، بهمتها وتحدياتها، بهمها وفرحها. ما أجمل فنّك يا عمر خيرت.

كم مرة تأمّلت نفسك في سطور أحدهم، أو بين ألوان ريشته، أو حتى بين ألحان معزوفته؟

إننا كذلك يا أيها الانسان، كُتلات من فنٍّ تمشي على الأرض، أرواحٌ تشعر بها أرواحٌ قد لا تلتقي أصحابها ولا تلمح وجوههم يوماً.
اثنان وعشرون دقيقة وتسع ثوانٍ ربما قد تكون كافيةً لتكتب سيرةً ذاتيةً شاملةً عن حياة أحدهم!
بعذابها وعذوبتها، برقّتها وجنونها، وجمالها وعظمتها، وبحكايات ما بعد الدقيقة الحادية عشر بالتحديد منها أيضاً.

أنت وأنا نستيقظ يقظةً عجيبة ذات عمرٍ يا صديق.
يتكرر المشهد والروتين كلّ يوم، من أين وإلى أين ينتهي بنا المسير؟

لم نأتِ عبثاً ولا نرحل كذلك أيضاً، حتى الفاشل منّا بجدارةٍ كانت له رسالة مّا، يكفيه أنّه كان عبرةً لمن يعتبر، يكفينا أنّنا تعلمنا أن لا نكون مثله، أوليست تلك رسالةً بحدّ ذاتها دونما جهدٍ يُذكر.

ما هي رسالتك؟
ماذا قدّمت حتى اليوم للبشرية؟ للإنسانية؟ للحب؟
ماذا تنوي أن تقدّم؟
هلّ ثمّة شيءٌ ذو قيمةٍ يدور في رأسك كلّ حينٍ يا هذا؟
أرجو ذلك.
ما يدور في هذا الرأس أغلى ما نملك، ليتنا نعي ذلك.

: دعكِ منّا الآن، أنتِ، ما هي رسالتك؟
: ما زلت أبحث، وما زال الرحمن يكرمني باشاراتٍ كثيرة، وطالما أنّي كذلك فأنا على الدرب السليم بإذنه.

كثيرون مرّوا على الزمان مرور الكرام، لا رسائل لا أهداف، كان الهدف أن لا يضرّوا ولا يُضرّوا شكر الله سعيهم. ألا يكفينا ذلك للعيش بهدوء؟

لكلّ منّا اجابته الخاصّة، لا أحبّ أن أكتفي بأن أكون كذلك، ما الفائدة من التكرار؟ قد يبدو مفيداً لا أنكر، لكنّ التجديد أجمل، أجمل بكثير.

جميعنا نمرّ بمرحلة الانطفاء والانكفاء، جميعنا نتعرقل بقلة الثقة، وجميعنا نطمح للكثير.

جميلة هي أكفّنا، نتأمّلها ونتأمّل طول أصابعنا المتفاوت، نتأمّل تلك الخطوط التي لم يفهمها أحدٌ يوماً، لعلّ في حياة كلّ واحد منّا عشرة أشخاص لا بدّ أن يشد كفيه على كفوفهم كي يصعد إلى قمته في الحياة، ولكلّ واحدٍ من العشرة عشرة، هكذا تُضمّ الكفوف بالكفوف، ويعمر بالقوة الزمان، ويُحيي بالأمل الإنسان أخاه الانسان.

أنت لن تستطيع لوحدك، ستحاول عبثاً، لكنّ ما تنجزه بكلمةٍ من فلان ونصيحةٍ من علاّن وتجربةٍ من هذا وخبرةٍ من ذاك سيكون أسرع وذا قيمةٍ أكبر، نحن بتجارب بعضنا نصل مبتغانا ونكبر.

هل تذكر؟
أنا أذكر؟!
سنواتٍ كنا نشعر فيها بالألم لحظة الاستيقاظ الأولى!
لم يكن منطقياً أبداً الشعور بالاختناق لحظة ردّ الروح على الجسد، كان مُخجلاً جداً أنك كل يومٍ تبحث عن ذات الشيء، أنك لا تعثر على تلك الأنا!

كلّ الذين قالوا بأنك لا تحب أحداً ولا تنجز عظيماً إن لم تحبّ نفسك أولاً صدقوا، البداية دوماً ستكون حباً منك إليك، ودون ذلك الحبّ، أنت لا تصل وجهةً ما حييت.
لا تقل لم يخبرني أحد، ها أنذا أخبرتك وأحببتك، فكن بخير والسلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *