قهوة

صباحُ الأربعاء يا سادة
شربنا القهوة السادة
وهبّت نسمةٌ زرقاء
فرفرف شعر ميادة
وطار القلب نحو الشمس
وغاص الصوت بئر الهمس
واليوم وغدا وأمس
سنبقى نشرب القهوة السادة

هذا بالتأكيد ليس صباحي، هذا صباح “سيجري” في الفصول الأربعة منذ عشرين عام وهو يحاول أن يصبح شاعراً.

أما أنا فصباحاتي لم تبتدئ يوماً بقهوتكم العظيمة، ولن تنتهي ليلةً بها حتماً، أو كذلك أظن حتى لحظة المقال، وكفاكنّ اقناعاً للكاتبة بذلك لطفاً.

لقد حاولت، والله حاولت، وبذلتُ جهداً في محاكاتكم، غليتها، فورتها، سكبتها على الموقد، تركت على حوض المطبخ فناجينها وتأويلات عرافاتهم، ليغسلها أحدٌ بعدكم لم يشربها معكم، ولم يغرم بها مثلكم.

صباحاتي أفخم من ذلك بكثير، فطورُ الصباح أهم من باقي وجبات النهار.
تفضّلهُ مأكولاً أم مشروباً أم كلاهما معاً، شرقياً أم غربياً، بارداً أم ساخناً، حلواً أم مالحاً، هناك خوارزميّاتٌ كاملةٌ لأسئلةِ ماذا تفضّل على الفطور.
سؤالي لك ماذا تشتهي على مائدة الإفطار اليوم؟ يكادُ يشبه التساؤل إن أعجبتك العروسُ التي قابلتها بالأمس في النظرة الشرعية!

كانت القهوة في الطفولة مقرونةً عندي بالغيبة العائلية الفريدة، مع كل فنجان، ينقّي المغتابون أحدهم من ذنوبه حتى يعود كيوم ولدته أمه، بل ربما أعادوه لما قبل الولادة بأعوام.

وفي الصبا، ارتبطت عندي برائحة دخان السجائر، تلك الرائحة التي لا زلت أتوضأ لنسيانها كل يومٍ منذ أعوام.

أجمل صباحاتي، تبدأ على صينيّة أمٍ حلبية، تبدأ من “مامونية”.

من ابن عمةٍ دوميٍّ يتسائل عن ذوقنا الغريب الذي نتمتّع به حين نأكلها.

نفسُ النَّفَسِ يا علاء، حين طبخن لنا الأرضي شوكي والسفرجلية واللحمة بكرز ومربى الكبّاد ومربّى الباذنجان .

أن تكون أمك حلبية: يعني أن تتعلم مهارة مواجهة الحياة من شجاعة تذوّق طبخة!
لا يكفيهن أن تتذوقها فقط، لا بد لك أن تتغزل بالطاهي والمطهو، حتى تُرضي غرور الجميع، صباح المامونية يا قوم، صباح الأم الحلبية.

أما القهوة فتركتها لكم غير مأسوفٍ عليها حتى هذه اللحظة، ولا تدري، لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً.

*******

هامش:
المامونية: طبق فطور شعبي في بلاد الشام تمتاز به الشهباء، عبارة عن سميد وسكر وسمن يزين بالقرفة والفستق الحلبي ويقدّم مع القشطة البلدية وجبنة الشلل الحلبية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *