هل كان يعلم؟

هل كان يعلم فلان بعد أن ظلم ابنتيه من زوجته الأولى ظلماً كثيراً، بعدما منعهما عنها طفلتين لا حول لهما ولا قوة، لتنشآ غريبتين مع أولاد الثانية منه وممن سبقه، كضيفتين مقهورتين في بيتهما مغلوباً على أمرهما؛ هل كان يعلم أن ابنته تبكيه فجراً رغم الظلم والظلمات، وتنعاه بقلب مكلوم مرتجف، تبكيه بعدما كانت تبكي منه سنيناً.

هل كان يعلم، أنّا كنّا ندعو لها تفريج الهمّ صباح مساء؟ ويبدو أن الدعاء استُجيب بمَوت، لينفرج الهمّ برحيله بسلام إلى دار السلام غير مأسوفٍ عليه ولا مُفتقدٍ إليه.

لا أحترم ولن أحترم الأب الذي لا يعامل ابنته كأبهى أميرة، لا أحترم ولن أحترم الأب المقتدر الميسور الحال ينظر إلى مال ابنته!

لا أنسى أنها كانت قصة الزواج الأولى التي أسمع فيها فتاةً تشكو لي والدها يطلب لها مهراً لم تطلبه، ثمّنها تثميناً، يعطيها ثلثه، وتتم الصفقة!
وتسدد وزوجها لمدة أربع سنوات قرض ذلك المهر الذي تجاوز حدود المنطق، نقداً لا علاقة له بذهبٍ ولا تأثيث منزل أو حفلة زفاف وغيره.
ربما كان يعلم أنه يزوّج حورية من الحور العين، كانت تستحق أكثر، لو أنّ المهر يذهب إليها وليس لجيبه المثقوب، ولا أبشع من الطمع والجشع، سامحه الله وغفر لنا وله، أذكره ولا أحد يعرفه، فلا أظنني مغتابة له.

لكنها التذكرةُ أريدها أن تصل لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد.

ثمّة يومٌ أخيرٌ بلا شك، ثمة ميعادُ رحيلٍ بلا عودة، ميعادٌ لا يخطؤنا، وما مثل هذه الذكرى بعد موتنا نبغي ونشتهي، ولا مثل هذه الحياة نريد أن نعيش، ولا مثل هذا الوداع نحبُّ أن نودّع، ويؤسفني أنّي لا أترحّم عليه ثانيةً بعد هذه الكلمات، كما يؤسفني أنّي لا أستطيع عناق صديقتي ومواساتها هذا المساء.

لا تعنيني مطلقاً سريرتك بينك وبين الله، مادامت علانيتك أذىً وألماً للناس؛ ما دامت تضرب وجعاً لحافظةِ القرآن التي لم تختر يوماً أن تكون أباها! وأظنك اليوم محظوظاً أعظم حظوظ الدنيا مجتمعةً على موائد الآخرة، بدعائها الطيب العطر البار يصلك صباح مساء وإن كنت بنظري القاصر لا تستحق.

يؤسفني أن الكثير لم يتذوقوا نعيم الدنيا وجمالها وحنانها في حضن الأب الصالح، عوضهم الله، والعوض من الله جميل.
كلماتٌ غاضبةٌ غريبة، والقارئ لا يستسيغ الغريب، نريد على الدوم مشاعراً مسالمةً مكررة منسوخة ملصوقة! ولا أجيدُ ذلك.

تعوّدنا أن نذكر محاسن موتانا، أن نحولهم ملائكةً كانوا يمشون بيننا على الأرض دون أن يدري الكثير عنهم، آن لنا أن نكسر هذه العادة ونعطي كل ذي قدر قدره، وأن لا نسمح لأحدٍ أن يتجاوز حجمه ولا حدّه، ميتاً كان أو حيّا.
“إذا رأيتم المدّاحين فاحثوا في وجوههم التراب”؛ نسأل الله أن لا نضع وجوهنا في موضع كذلك، وأن نقول كلمة الحق لا نخشى في الله لومة لائم ومن ثمّ نمضي.

رحم الله من رحل وبارك في عمر من ينتظر، ونعّمكم وأكرمكم بهناء الدنيا في ظل أبٍ حنون، ورزقكم البر منكم وإليكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *