هل يا تُرى

هل يا تُرى، يوماً تصير، ابني الكبير؟ الله كريم.

مرّ عام، منذ آخر زفافٍ دُعيت له.

الحمد لله على نعمة الكورونا التي يسّرت على الشباب تكاليف الزواج في العام المنصرم، لأنّ الحال أصبح جنونياً، والمنافسة فيه على قدمٍ وساق بالتباهي بالمظاهر التي غدت عبئاً وطقساً من طقوس الاحتفال طال الجميع إلاّ من رحم ربي.

بعدما كنّا نحرصُ أن نمرّ على جميع الطاولات كي نصافحَ الأحبّة، أصبحنا نرفعُ اليمين عاليةً مع رفع الصوت مشتاقاً: السلام عليكم جميعاً، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.

لا تتشابه احتفالات النّاس، البعض يتكلّفُ ويضخُّ أموالاً طائلةً لإشهارِ فرحته، لكنّنا لا نشعر بالبهجة في جمعته، والبعض ببساطةٍ وتواضعٍ لطيفٍ قادرٌ على أن يُشعرك أنّكَ لم تفرح مثل هذه الليلة منذ سنين.

ملامسة مشاعر الناس فرحاً وحزناً قدراتٌ ورغبات وتيسير، عموماً الرسميّات والمثاليات تخنقُ كل المشاعر.

كان فرحاً جميلاً، أمضينا ليلةً هانئة بكرم الله، لم أستطع أن أهرب من شعوري بأنّي رغماً عنّي أتحوّل إلى الخالة في هذه المناسبات، بعدما كنت لزمنٍ طويلٍ ابنة الخالة، الساعة الرّمليّة لا تتوقف، لا بدّ من شعور الخالة ذاك، شئنا أم أبينا.

تروق لي فقرة التقاط الصور للذكرى كثيراً، ازعاج أفراد العائلة بضمّهم في بروازٍ مستطيل، لحظة توقّف الزّمان، وثبوت الصّورة عند نَفَسٍ مّا، ترى فيها لمحةً ربّما لم تكن مقصودةً تماماً عند التقاطها، نتشاجر لاحقاً كثيراً، احذفها، لن أُسامحك، إنّها لا تشبهني، أنا لا أسمح لأحد أن يصوّرني بلا استئذان، لماذا تظهر قدم فلان، لقد بدت علاّنة أجمل منّي، الحقيقة الوحيدة التي لا مفرّ منها، أنّ تلك اللقطة حُفظت لألفِ عامٍ قادمة، وما جرى كان، ولن نستطيع تغيير انطباع أحدهم عنها.

ينادون الأم، تصير حماةً لأوّل مرّة، الطفل الذي أعرفه بعمر ابني، غدا شاباً طويلاً يطوّق عنق عروسه بقلادةٍ ويستأذنها تشريف مملكتهِ حوريّةً بخاتم، وخالتكم في تلك اللحظة تتهوّر كالعادة بخيالها الواسع يصلٌ إلى يومٍ لا بدّ أنّه آت!

ماذا لو أنّ ذلك الشابّ ابني أحمد؟

ماذا لو أني أتصوّر معه مع الكنّة، يا إلهي!

لقد ابتسمت ابتسامةً وسعت السّماوات السبع، بسمةً لا تُفسّر، هل سأكبرُ كلّ هذا بعد؟ يبدو ذلك مُخيفاً ومشوّقاً في الوقت نفسه.

يجبُّ أن أستعدّ لمثل هذا اليوم وهذه الفرحة، وذلك الحصاد وتلك البداية والنهاية.

تقول لي الخالة أنّ ابني سيطول ويطول حتى يخيّل لي أنّي أقصُر، وأنّ العمر سيمضي أسرع مما أتخيّل، وأنّهُ مثل أن أُغمض عيناً وأفتح عين!

حقيقةً،
أنا أرمش كثيراً ولا يمضي شئٌ يا خالة.

حسناً،
إلى ذلك الوقت سأدعو لي ولكنّ ولجميع من قرأ، أن يُيسر لنا الرحمن أن نكون خير رعاةٍ لخير رعيّة، أن يُصلح حالنا لنكون لهم خير أمهاتٍ وآباء، أن يبلغنا رؤيتهم كما نحبُّ وأفضل، وأن يجعل لنا فيهم قرّة عينٍ وزينةً للحياة الدنيا، وولداً صالحاً يدعو لنا بعد الرحيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *