الليل يا ليلى

ليلٌ جميلٌ طويل، يقودُ الأب السيّارة، تسند الرأسَ الصّغير والشّعر الغجريّ والخدّ الطّريّ إلى نافذتها، تتأمل القمر المشاغب، إذا ما مشينا مشى معنا، وإذا ما توقفنا وقف، لماذا يلاحقنا القمر؟ ماذا يريد منّا، يلمعُ كلّما تأمّلناه، لا نشبعُ من مدّ النّظر إليه، يصل كلّ ليلةٍ إلينا وما لنا من وصولٍ إليه، يحزن كثيراً ويتألم أكثر، يتغيّر بهدوءٍ يناسبه ليلةً بعد ليلة، يمرّ بكل المشاعر المعقدة خلال شهر، وتتكرر مشاهده ومشاعره على مرّ السنين، لا يملّ ولا نملّ، يساعدنا ولا نستطيع له مساعدة، نتأمل مراحل تغيّره وتطوّره ونتعلم منها، نعدُ أنفسنا أنّنا يوماً ما نزوره، مع أنّنا نعرفُ أنّه عن بُعدٍ أجمل بكثير، وربما عن قربٍ يفقدُ كلَّ سحره، لكنّنا كالعادةِ لا نصدّق حتى نجرّب ونتألم ونتعلّم من كيسنا كما يقولون.
كانت الصّغيرة ترى أنّ هذا هو جمال الحياة، أبٌ وأمٌ وطفلان، سيّارةٌ قديمةٌ وقمر، تلك هي الصورة المثالية عن الحبّ التي رسمتها مخيّلتها الخام، ندرس في المدرسة اثنتي عشرة عام، وقبل ختام العام الأخير، يظهر من الفضاء فارسٌ مزعومٌ يخطفنا إلى حياة الأميرات! منتهى السذاجة.
وهمٌ لذيذٌ للحظات، نتجرّعُ مرارة استعجاله لسنوات، الدروس التي تُستفاد بسببه تستعصي على النسيان، تخدش روحنا هماً وغماً وتساؤلات.
كيف لا تراهُ وطناً في كلّ زوايا العمر، وقد نشأت في غربةٍ فريدة، لم تكن شتاتاً عن الوطن والعائلة والأقرباء فقط، كانت غربةً في خلجات النّفس أيضاً.
لماذا تُشرق الشمس من عينيها ويَشرق الحبُّ على وجنتيها كلّما مرّ عليها طيفه مرور الكرام؟
ولماذا تقتحم فوضى الحواسّ بسببه حياتها بشغبٍ مُلِحٍ وقد خالتها مدروسةَ مرسومةَ كاملةً بدقّةٍ وعناية، ولا مجال للخطأ والتّجارب الشائكة.
كانت حياةً فخمة، كتلك التي عاشتها الأميرة في برجها العالي زمناً طويلاً، حتى اكتشفت ذات نهارٍ أنّ هناك حياةً كاملةً لا تعرفها، ودنيا من الناس والتجارب يتطلب استكشافها بعضاً من الشجاعة لكسر أصنام العُرف والتقاليد التي لا تمتُّ للدين بصلة، ربّما عليها قصّ شعرها ومشاعرها والهربُ حافيةً مسرعةً إلى البعيد، متخلّيةً غير نادمةٍ ولا آسفةٍ وناظرةٍ للخلف، راميةً عرض الحائط بكلِّ خوف.
بدى كلُّ شيء هانئاً وجميل، حتّى ظهر على صفحةِ بحر الحبّ نورسُ الرُّوح “زبرجد”، فأصاب القلب طوفانٌ لا يهدأ، ولا تدري متى ينتهي.
=====
الليل يا ليلى يعاتبني
ويقول لي سلم على ليلى
الحب لا تحلو نسائمه
إلا إذا غنى الهوى ليلى
لأجلك يطلع القمر
خجولاً كله خفر
وكم يحلو له السفر
مدى عينيك يا ليلى
لنا الأيام تبتسم
ولا همس ولا ندم
وماذا ينفع الندم
نديم الروح يا ليلى
رجعت ألم أحلامي
وأحيا بين أنغامي
وغاب ربيع أيامي
وليلى لم تزل ليلى
وليلى
لم تزل
ليلى
#لكاتبها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *