دان

نسماتٌ صيفيّةٌ وهدوءٌ رتيب، تستلقي الصبيّتان تحت السّماء، تتأمّلان بدراً، تعدّان طائراتٍ وطيوراً ونجوم، وتتململان سويّةً من الحياة قبل أن تعرفا شيئاً عنها.

أسرّتها ذات شجارٍ مع أخواتها: ليتني وُلدتُ وحيدةً بين الصبيان مثلك؛ أمنيةٌ شرّيرة كسائر أمنيات المراهقين والمراهقات.
تنهّدت تنهيدةً طويلةً وهي تتأمّل أنوار طائرةٍ عابرةٍ لا تدريان من أين تأتي وإلى أين تروح؛ وقالت: أمّا أنا، فيا ليتني وُلدتُ بلا إخوتي الصبيان حتّى.

تدور الأيّام وتتبدّل الأحوال، ويمنحُ كلُّ مُتمنٍّ ما تمنّى وفق ناموس الكون ودستور الحياة؛ الأولى تصبحُ أُمّاً لوحيدة، والثانيةُ أمّاً لأخوات.

كبرتا معاً كأختين، بكلّ تفاصيل الأخوّة التي تعرفها الاناث عن الاناث، بلذّة السرقات المشروعة التي تتمّ بين الأخوات، برشّات العطر المسلوبة على عجلٍ دونما سمعٍ وطاعة، بربطات الشّعر المستعارة دون ارجاع، بطلاء الأظافر الذي لا تخطر على بالك تجربته إلا حين ترينه على تسريحتها، بمتعة استخدام قلم الكحل القديم خاصّتها وماسكرة رموشها بدلاً من خاصّتك، تبدو العيون بمعنى التجربة أكحل وأجمل حين تكون أدوات تجميلها مُختلسة؛ كانتا كذلك، بأدقّ تفاصيل البنيّات الجميلة التي تُطيّبُ أيّام الأمّهات كَشذاً لا تعرفه عطور باريس.

كرّرَتْ الأسئلة عبر سنين: أجميلٌ أن تكون لديّ أُخت؟
أحسدك حين تسهرين مع خالاتي، أيّهنّ الأحبُّ إليك؟

لا تنتظرُ إجابةً تعرفها مُسبقاً، تناول والدتها فنجان الشّاي، تسألها السؤال الأهمّ: ما أسوأ شعورٍ قد تشعر به من لديها أُخت؟
ثمَّ تسكت سكتتها اللطيفة، ولا ألطف من سكتات البنات ترقّبا للإجابات.

تُجيبها: أن لا تكون الأخت «أُخت».

تسألها شرحاً، فلا تسعفها الكلمات؛ تستمع إلى حديثهما الجدّة مُستمتعةً، فتسألها: حين تتأّلمين، ماذا تقولين؟
تجيبُ: آخ ..

فتقول: والأخوّة الحقّ مثل ذلك، لحظة الوجع الأولى لا ننادي أحداً إلاّ الأخ والأخت يا دان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *