حلوى القطن

إنّها ليلةُ الأحد من جديد، ليلةُ ولادة أسبوع جديد، ينتهي ال”weekend” الذي استهلكنا بدل أن نستهلكه تنظيفاً وتنظيماً وتجهيزاً ومحاولاتٍ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، مثل كلّ نهاية أسبوع.

أريحُ رأسي على وسادتي أخيراً، وأنا أعدُ نفسي للمرة التريليار أنَّ نهايةَ القادم ستكون لطيفةً أكثر.

نحتاجُ أحياناً أن نعد أنفسنا ببعض أحلام الأمهات المستحيلة الورديّة بين فترةٍ وأُخرى كي تستمرّ الحياة.

تركضُ إليّ جميلتنا “جوجو” كقطعةِ حلوىً قطنيةٍ جميلةً زاهيةً تودُّ أن تأكلها لقمةً واحدة بلا أسف.
قائلةً بسعادةٍ فائقة: عمّة “شوشو” هل تعرفي ، أنا أريد أن أقرر اليوم إن كنت سأنام عندك أم عند نانا .
أبتسم.
أبتسمُ ليس لأنّه القرار الصّعب يا جوجو، بل لأنّ كلمةَ أقرّر كانت حلوةً من سنواتك الستة.

أقولُ : فكّري وقولي لي: ماذا ستقررين ، وتمرُّ أمام عينيَّ أكوامُ الذّكريات.

الحنينُ لتلك الأيام الجميلة، نسهرُ ما بين بيوت الأقرباء كلَّ صيفٍ ولا ننامُ حتى يطلع الصّباح، نضحكُ ملئ قلوبنا كما ينبغي للضحك أن يكون، وكما يليق لقلوبنا أن تضحك بهناء.

لا حرب لا دمار لا أخبار، ولا وباء، لا شئ نحتاجه سوى العائلة الكبيرة والسعادة برفقتها والسلام.

أفكّر في جوجو، كيف تُقبل أيام العمر المستقبل علينا يا حلوتي؟ وتتذكرين، أنّ هذا كان أسهل قرارٍ تتخذيه في حياتك، ستختارين لاحقاً الصديقات، والهوايات، وأيّ المهارات تريدين صقلها، تختارين بين العلمي والأدبي، ثم تختارين فرع الجامعة، ثم سعيد الحظ، ثم إسم الطفل الأول، وهكذا تواليك.
تتوالى القرارات قراراً بعد قرار، ولا استقرار لنا فيها يا جوريّتي.

سأذكركِ دوماً بأنّ هذا القرار كان الأسهل والأسرع على الإطلاق.

تمرُّ ثلاثة دقائق إلاّ ثلاثون ثانية، تركض الحلوى القطنية للعمّة ثانيةً والبسمةُ تعلو شفتيها وبريقٌ يسحرُ سحراً من عينيها.

عمّة: لقد قررت.
أنا سأنام عندك.
تفتحُ ذراعيها لتُعانقني كَسَمَاء، وينفتحُ قلبي حباً ولهفةً ودُعاء، أنثني على ركبتيّ لأصيرَ قريبةً من طولها، أطبعُ قبلةً طويلةً على خدِّ الجميلةِ النّاعم.
أعرفُ أنّها لن تبقى صغيرةً للأبد، ولن أبقى.
ستكبرُ، وأكبرُ، ولن ننسى صعوبة القرار، لكننا نسرقُ من العمر هذه اللحظة.

لو تعرفين يا جوجو، أنّ هذهِ الليلة تُصبح ذكرى بعد ساعات، ستتشبّثُ بكِ ما حييتِ، لا أنا أنسى ملابس نومكِ المخمليّة، ولا ذاكرةُ طفولتكِ تنسى قُبلةَ العمّةِ القويّة.

كم تمنيتُ أن أكون مكانكِ، ليلةٌ واحدةٌ في بيت الجدّة، لا أكثر.
أريد أن أسرّك سراً حزيناً يا صغيرتي قبل أن أنام، إن نمت!
يحكى أن المغتربين، كلّ المغتربين، كانوا يخطّون بخطٍ صغيرٍ جميلٍ ملؤه الأمل والحنين على مرّ السنين على جدران بيوتهم قبل السفر :”إنَّ الذِّي فرضَ عليكَ القرآن لرادُّك إلى مَعاد”، تركناها على أمل أن نعود، لم نعد يوماً، ولا يبدو أننا نعود.

تصبحين على خيرٍ وفيرٍ أميرتي، تصبحين على الجَمالِ لا يفارقُ عمركِ وروحكِ ما حييتُ وحييتِ، فاللهُ خيرٌ حافظاً وهو أرحمُ الرّاحمين، وفي القلب الكثير، والكثير.

عمة شوشو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *