لن تصل قاعداً

يحدُثُ في هذا العمرِ أن ترضى بالقعودِ أوّل مرّة، أن يكبّلك العجزُ باحكام، أن تتعذر بأعذارٍ كلّ يومٍ بلا خجلٍ ولا مللٍ أنت نفسُكَ عن نفسِكَ لا تصدّقها ولا ترضاها.

يحدثُ أن يومكَ مثل أمسِك مثل غدك، تفتقدُ روحك وتشتاق لها.

خُلقنا بعدلٍ ومساواة، الحقيقة التي لا بدّ أن نُدركها جميعاً تماماً ما بين لحظتَي الميلاد والوفاة.

لقد كانت مُعطياتنا مختلفة، وكان تعاملنا معها واستغلالنا لها متبايناً، فكان لا بد أن يكون الحصاد متفاوتاً حتماً .

فالحصاد لا يأتي لا بالتمني ولا بالأحلام ولا بالدّعاء دونما عمل.

لن تصل قاعداً..
لن تصل نائماً..
لن تصل ضعيفاً حائراً منتظراً مُتكاسلاً مُتباطئاً.

انني أقسمُ لك بربّ السماوات والأرض وما بينهما وما شاء من شئ بعد، أن الوصول لم يكن يوماً للمُرتقبين، ولن يكون يوماً للمُنتظرين.

ركّز معي بحثاً عن لحظةٍ في العمر أدركتَ فيها شغفك، عن تلك الخفقة التي كانت تُشعرك أنك طيرٌ يُحلّق عالياً في السماء، وكأن الله حباهُ بأجنحةٍ لم تحلم بها الطيور قط.
عن تلك النبضة، عن ذلك الحبّ منك إليك، مُكتفياً به بذاتكَ عن حب العالمين.
نحن بالوعي نصل، بالاعتراف بقصورنا وتصحيحه نصل، بالانجازِ والمحاولات المتعثّرة والمتتالية والتحدّي نصل، أوليسَ الرحمنُ قد وعدنا: (وأن ليس للانسان إلا ما سعى).

أعرفُ أنك مُنهك، منهكٌ كثيراً، أشعرُ بك، أُدركُ أنّ الحمل ثقيل والدرب طويل، وتكرارَ البدايةِ صعبٌ مُرٌ مرّةً تلو مرّة، لكنّ آثارَ السّابقين علّمتنا أن النّهايات تستحق، حلاوتها تستحقّ جُهداً كثيراً.

لن يعيش هذا العمرَ أحدٌ عنك، أنت مسؤولٌ عن نبضات قلبك، وأنفاس صدرك، لقد أعطاكَ الفرصةَ الأعظم، وَهَبكَ الحياة، فلا ُتفلتها من بين راحتيك بالقعود مع القاعدين.

لكلّ منّا قيامته الخاصة في حياته، البعض يكون محظوظاً بأن تكون له قيامتان، صُغرى وكُبرى، وبينهما علامات أيضاً.

قد يكونُ صباحُ قيامتك الكُبرى صباحاً عادياً، عادياً جداً، عطراً جميلاً لطيفاً أنيقاً رقيقاً.

لكنّ الصّباحات بعده لن تكون كما كانت من قبلُ بلا شك، بل بلا أدنى شك.

يومٌ عصيب، تُحاولُ أن تلتقط فيه أنفاسكَ أمام مرآتكَ وأنتَ ترى فيها شخصكَ الذي لطالما بحثتَ عنهُ لأوّل مرّة، أن تهدّئَ من روع نبضاتِ قلبك، أن تتماسك وأنت في قمّة الامتنان لهذه اللحظة المؤلمةِ المُلهمة التي عثرت فيها على ذاتك، وأدركتَ فيها أخيراً سموّ رسالتك.

أذكرُ أن قيامتي الصُّغرى قامت منذُ خمسةِ أعوامٍ مع سابق إصرارٍ وتعمُّد، لكنّني لم أَخَلْ أن تقومَ البارحةُ قيامتي الكُبرى بغتةً بلا ترتيبٍ بلا تخطيطٍ بلا ميعاد.

تأهّب لقيامتك، أقم حياتكَ بالإيمان يَقُم حظّك، أقمها باليقينِ تستقم.

دمتم بإيمان، دمتم بيقين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *