قُبلة ما قبل النّوم

تُشنُّ بيننا يوميّاً ألفُ غزوةٍ ومعركة، يصلُ بنا الجدلُ إلى حروبٍ أحياناً.

مثل هكذا تحيا الأمهات أيّامها مع الطّفل تطرقُ المراهقةُ باب عمره الجميل على استحياء.

قد ترتفع الأصوات، وقد يقف الطفل الثاني موجّها أخاه الأوّل بغضبةٍ محمودةٍ: ما هكذا تُخاطب الأمهات!

لتُسرّها الأم في نفسها: أنت لست بأفضل منه يا سحريّ البيان، والدتك تدرك هذه اللحظة أنّه اقتناص فرصٍ، وصيدٌ بالماء العكر لا أكثر!.

الأهم ..

كنّا قد أبرمنا ذات حبٍّ صفقةً أبديّةً غير قابلةٍ للتّعديل مهما امتدّ الزمان، تنصُّ على أنّنا لا ننام قبل أن نطبعَ قبلةً على خدّ ماما.

ليس مهماً أن تعتذر، أن تبرّر خطأك، تلك الطبعةُ المسائيّةُ ستتكفّل بذلك عنك، سأتفهّمك، هكذا ينبغي للأمّهات أن تكنّ، ولسنا نكون كما ينبغي دائماً.

ينكسر الطّبق، يقفز الصّغير متباهياً ثانيةً: أنتِ تكسرين كثيراً، أنا لم أكسر شيئاً منذ عام.

تسخر منه: احمد الله أنّك ترى ما أسمح لكم برؤيته مما ينكسر معي، كثيراً ما أُوفّقُ ويسعفني الوقت لأستر آثار ما أكسرُ بخفّةٍ دون أن يشعر بي أحد.

أسمعهما وأفكّر: صَدَقا ذات ثرثرة، ليس مجالاً للتفاخر، فما نكسره معنوياً أكثر بكثيرٍ مما نكسره حسّياً في الحياة، وكثيراً ما ننجو بكسراتنا بأعجوبة! والكسراتُ هنا حمّالةُ أوجه.

حان المساء، تطبع الصّبيةُ على خدّ الأمّ قُبلة ما قبل النّوم.

يقول الصّبي: “نيّالك”، أنا مريض ولا أريد أن أُعدي ماما.

أقول له: لن تعديني، والدتك قويّة جداً، خذ خاصّتك.

يقول: لكنّكِ أخذتِ مطعوم الفيروس بالأمس، ومناعتك ستكون ضعيفةً لثلاثة أيّام.

أستنطقه: هل أنت مريضٌ حقاً يا أحمد؟

يقول: نعم، مريض، وسأفطر غداً، مريضٌ كأنّي على سفرٍ يا ماما! والمريض والمسافر يرخّص لهما ويُعذران إن أفطرا، أوليس كذلك؟

أضحك ملئ قلبي لنباهة السؤال يحمل في رحمه الجواب، أحبّ فلسفتك يا صغير، أحبّ أسئلتك أكثر من أجوبتك، أحبّ كيدك وأنت تعدّ العدّة لهذا الفطر العظيم، وتتأهّب لمعركة الغدّ معها وتجمع على الطاولة ما ستهمّ بأكله من أطايب خلال النّهار أمامها، أصلحكما الله وجعلكما قرّة عين، فالله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين.

اللهم أنبتهما نباتاً حسناً وذرّيات المسلمين.

رمضان2021

ضمن سلسلة: ما لا تعرفونه عن أحمد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *