هدمٌ وَبِناء

الحمدُ لله حمداً تطيب به النّفسُ وتسكنُ الرّوحُ وتتبسّم السّماء.

فَلِلَّهِ وَجْهٌ كَالرِّيَاضِ بَشَاشَةً
بَسِيْمٌ تَجِدْ فِيْهِ الَّذِيْ أنْتَ طَالِبُهْ

عَلَيْكَ سَلامٌ مِنْ مُحِبٍّ وَعَبْرَةٌ
يُحَاوِلُ طَرْفِيْ دَفْعَهَا وَتُغَالِبُهْ
د.أحمد الجرابلسي

يتسلّى البشر عن همومهم في هذه الحياة بطرقٍ مختلفة، بشكلٍ ماّ نتّفقُ أحياناً وبأشكالٍ كثيرة نختلف.

أصبحت أسماءُ الشهور تذكّرنا بمشاعر معينة. يأتي شباط بالمحبّة، فيليه آذار ليذكّره بأنّ لا حبّ كحبّ الأمّ، لتتلوّن الكذبات في نيسان وتُخبرهما أن الحياة لا تبقى على حالٍ واحد، وأنّنا لو عرفنا أقدارنا مسبقاً لفقدت فتنتها ورونقها.

على شارع الملك عبد العزيز متجهاً نحو طريق العروبة، يحدثُ شيء مّا في مدينتنا العملاقةِ الجميلة، على غير ميعاد، اجتمعت الرافعات وآلات الهدم والبناء والعمّال على اختلاف جنسياتهم لغايةٍ واحدة؛ تهدمُ كلُّ المباني جديدةً وقديمة غير مأسوفٍ عليها، وتُضخُّ الأموال على ذلك.

لا بدّ أنّ وراء هذا الهدم غايةً تستحق، أدرك كما أرى الشمس أنّ ثمّة مفاجأةً جميلةً على موعدٍ مع نور عيوننا نراها ونتبسمُ كثيراً بعد هذه الرؤية الضبابية التي لم تُفسّر جيداً كيف تهدمُ ثابتاً عظيماً عمره سنوات، دون أنْ توضّح لنا مقصدك، وأنّك سترفع مكانه كذا وكذا.

في الحقيقة، إنّه فضولٌ منّا وذكاءٌ من الهادم والبنّاء معاً، لأنّ الأعمال العظيمة لا بدّ لها من سترٍ كثيرٍ عن خفايا النوايا وراءها حتّى تُحرّك عقول النّاس نحو ماهو خير.

لقد صوّرت المشهد المهيب، لكنني لا أرفق للقارئ الصورة، لا أحبّ للعيون التي أحبّ أن تراه، أرفقها ولو بعد حين، بعد سنين حين يكتملُ تألّقُها، ويتمُّ البناء، وتقطف الثمار بإذن الله.

في حياتنا حسيّةً ومعنويّةً هدمٌ كثير، وبناءٌ أكثر، كلّ يوم لنا فيه حكمةٌ جديدة ودرس مؤلم يدفعنا للتوجّه نحو المثالية التي نطمح إليها ونتمنّى أن نلقى الله بها.

تمرُّ علينا أيّامٌ نكاد فيها أن نختنق وكأنّ السقف خرّ علينا، وكأنّ البناء قد هدم، وكأنّه لا حلّ إلا أن نقيم الجدار الذي يريد أن ينقض، الحلُّ دوما في العمل، في الإصرار على أنّ النهاية ستكون جميلة مهما شاهدنا من أذىً على الطريق.
“وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى” (سورة النجم: الآيات: 39-43).

3/3/2021
= مشروع بناء حديقة الملك سلمان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *